طرابلس القديمة تبحث عن منقذ لاستعادة تاريخها

مبادرات دولية ومحلية للحفاظ على تراثها

يوليو 3, 2018
القاهرة: جمال جوهر
لم تسلم «المدينة القديمة» في العاصمة الليبية طرابلس من ضربات الإهمال، وموجات طمس الهوية، على الرغم مما تحمله بين شوارعها وأزقّتها من معالم أثرية بالغة الرقيّ والروعة، تجسد 500 عام مضت كانت شاهدة على تجذّر هذا البلد الغني بالنفط في عمق التاريخ، وتجيب عن أسئلة من نوعية: كيف لمن يمتلك مثل هذا التراث أن يفرّط فيه ولا يستخدمه أو يحميه؟
الإجابة عن هذا التساؤل كانت السبب في إطلاق عديد المبادرات، آخرها جاء تحت عنوان «أنقذوا المدينة القديمة» ونظمتها السفارة الإيطالية في ليبيا وبلدية طرابلس، بحضور السفير جيوسيبي بيروني، والمبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، للوقوف على مدى الجمال الذي تحتضنه هذه المدينة، وقدر الإهمال الذي يكتنفها.
وجاءت الأمسية التي احتضنتها «السرايا الحمراء» في العاصمة، مساء أول من أمس، كاشفة ودالّة عن مكنونات ذلك التراث الأصيل الذي اتضح بعض معالمه في معرض «الجمال المُعلق» عن صور ليبيا القديمة للفنانة الليبية هبة أبو بكر شلابي التي قدمت شرحاً وافياً لكل تفاصيل تلك الحقبة، فضلاً عن توضيح الجوانب الفنية لكل صورة.
وتعبر «المدينة القديمة»، المركز العتيق للعاصمة طرابلس التي تطل على البحر المتوسط، ويحيط بها سور، وتضم عدداً هائلاً من المباني الأثرية التي يعود تاريخ إنشاء بعضها إلى ما يزيد على 500 عام، وفقاً لمؤرخين ليبيين، فضلاً عن وجود عدد المحال والأسواق التجارية والمقاهي، غير أن النسبة الكبرى الموجودة حالياً من تلك المباني تعود لفترة الاحتلالين العثماني والإيطالي. وتوجد في المدينة مجموعة من المباني الأثرية تحولت لبعض الوقت إلى مقرات لقنصليات دول مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا.
فمثلاً المبنى الرئيسي لـ«بنك دي روما» في ليبيا الذي شُيّد في 1917 تحول في ما بعد إلى فرع لمصرف الأمة. كذلك مبنى سجن تركي بُني في 1664 تحوّل لاحقاً إلى مقر للقنصلية الإسبانية لكنه بات مقراً لمكتبة للأطفال. أما مبنى كنيسة العذراء مريم القديم والتي بُنيت في 1615 فقد أُعيد ترميمه ويستخدم حالياً جزء منه ككنيسة وجزء آخر كصالة لعرض الأعمال الفنية.
ووسط ترحاب واسع جال سلامة وبيروني بين جنبات معرض «الجمال المعلق»، وقال المبعوث الأممي إن «طرابلس مدينة جميلة، فيها بصمات معمارية من حقبات تاريخية سابقة»، متحدثاً عن ضرورة الحفاظ على الآثار، وقال: «الحفاظ على الحجر حفاظ على ذاكرتنا وشخصيتنا الثقافية وذواتنا المستقلة».
ومضي سلامة يكرر في بيان للبعثة الأممية، أمس: «الاهتمام بالحجر من أرقى أنواع السياسة، لأن الحفاظ على الذاكرة المبنية جزء من الحفاظ على الوطن».
وذهب السفير الإيطالي إلى أن تعاون سفارته مع بلدية طرابلس في هذه الفاعلية يهدف إلى «دعم المؤسسات والجمعيات الليبية المهتمة بالحفاظ على المدينة القديمة».
ورغم أن الدولة الليبية اتبعت برنامجاً في عام 2009 لترميم المباني التاريخية بالمدينة القديمة وتطويرها، فإن كثيراً منها يعاني الإهمال والاندثار بفعل الزمن، ما دفع فريق عمل مسلسل «زنقة الريح» الذي سيجسد معاناة الليبيين مع الاحتلال البريطاني، إلى بناء بلاتوه في المدينة العتيقة بتونس لتصويره بعد تغير معالم المدينة القديمة في طرابلس، وفقاً لمخرج العمل الليبي أسامة رزق، في حديثه إلى «الشرق الأوسط».
وتعد «السرايا الحمراء» من أهم معالم المدينة القديمة، وسُميت بذلك -وفقاً لمؤرخين ليبيين- لأن بعض أجزائها طُلي باللون الأحمر، وتطل على شارعي عمر المختار والفتح، وتقع شمال شرقي طرابلس القديمة. وشُيدت السرايا، أو «قلعة طرابلس» كما يطلق عليها، على بقايا مبنى روماني ضخم، يرى بعض الأثريين أنه ربما كان أحد المعابد أو الحمامات الكبيرة، حيث عُثر أسفل الطريق الذي كان يخترق القلعة على بعض الأعمدة والتيجان الرخامية الضخمة التي تعود إلى القرنين الأول أو الثاني الميلاديين.
وفضلاً عن السرايا الحمراء، تضم المدينة أيضاً «قوس ماركوس أوريليوس» وأقيم لتخليد ذكرى الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس، الذي حكم البلاد في الفترة من 161 إلى 180. بجانب «حوش القرة مانلي»، وهو منزل أقرب إلى قصر يرجع تاريخ إنشائه إلى أوائل القرن التاسع عشر بناه يوسف القره مانلي، بالإضافة إلى معالم مثل «زنقة الفرنسيس» و«مدرسة عثمان باشا» و«فندق زميط».
وتاريخياً، حكمت أسرة القره مانلي طرابلس وعموم ليبيا منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى الثلث الأول من القرن التاسع عشر. وبسقوط تلك الأسرة أصبح القصر مقراً لقنصلية دوقية توسكانا العظمى، (كانت مملكة في وسط إيطاليا من 1569 إلى1859)، والحوش حالياً مفتوح للزوار، ويقدم عرضاً لمحتوياته ولأسلوب الحياة الذي كان يتبعه قاطنوه السابقون.

تعليقك

رئيس التحرير

مدير التحرير

عنوان المكتب:

  • رقم التسجيل في وزارة الأعلام: ٧٧١
  • news.carekhabar@gmail.com
    بشال نجر كتمندو نيبال
Flag Counter